إعلان الرئيسية

 محاضرة لمحامي لشمال القاهرة والقاهرة الجديدة حول التحكيم 



يُعرَّف التحكيم بأنه إتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل أو التي يحتمل أن تثور ، عن طريق أشخاص يتم إختيارهم كمحكمين ، حيث يتولى الأطراف تحديد أشخاص المحكمين أو أن يعهدوا لهيئة تحكيم ، أو إحدى هيئات التحكيم الدائمة أن تتولى تنظيم عملية التحكيم وفقاً للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز .

ويتجه فريق آخر من الفقه إلى تعريف التحكيم بأنه "نظام قضائي خاص ، يختار فيه الأطراف قضاتهم ، ويعهدون إليهم بمقتضى إتفاق مكتوب ، بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بينهم بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية والتي يجوز حسمها بطريق التحكيم ، وفقاً لمقتضيات القانون والعدالة وإصدار قرار قضائي ملزم لهم" .

ونظراً لأهمية تعريف التحكيم ، فقد حرصت بعض القوانين على إدراج ذلك التعريف في نصوصها . فقانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000م عَرّف التحكيم في المادة الأولى منه بأنه : "وسيلة لفض نزاع قائم بين أطرافه وذلك بطرح موضوع النزاع أمام هيئة تحكيم للفصل فيه" ، أما مجلة الأحكام العدلية فقد عرفت التحكيم في المادة 1790 بقولها : "التحكيم هو عبارة عن إتخاذ الخصمين حاكماً برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما" .


أما قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 فلم يُعرِّف التحكيم بشكل مباشر ، بل أظهر عناصر التحكيم في تعريفه لإتفاق التحكيم في الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون المذكور ، وترك تعريف التحكيم للقضاء ، فقد عرّفته محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بأنه : "طريق إستثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات ، ومن ثم فهو مقصور على ما تنصرف إرادة المحكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم" .

وفي حكمها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 1994م ، عرّفت المحكمة الدستورية العليا المصرية التحكيم بأنه : "عرض لنزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما ، أو بتفويض منهما ، على ضوء شروط يحددانها ، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة ، مجرداً من التحامل ، وقاطعاً لداء الخصومة في جوانبها ، التي أحال الطرفان إليه ، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية" .

أما القانون الأردني فقد ترك تعريف التحكيم للقضاء ، فعرّفته محكمة التمييز بأنه : "طريق استثنائي يلجأ إليه الخصوم لفض ما ينشأ بينهم من منازعات بموجب إتفاق قائم بينهم بقصد الخروج عن طريق التقاضي العادية".

فالتحكيم إذن هو عبارة عن وسيلة قانونية أفسح المشرع لها المجال للفصل في المنازعات المتفق على عرضها على التحكيم كنظام موازٍ للقضاء لا يخلو من مزايا ، حيث ينتهي إلى حكم يتقيد به الفرقاء ويؤدي إلى حسم النزاع الذي شجر بينهم ، شأنه في ذلك شأن القضاء ولكن بسرعة ملحوظة وبقدر أقل من الجهد.

والتحكيم قوامه إرادة الأطراف ، إذ تهيمن هذه الإرادة على نظام التحكيم بأكمله بدءً من الإتفاق على المبدأ ذاته ، مروراً باختيار المحكمين وتحديد عددهم وإختصاصهم ، وتحديد الجهة التي تتولى الإشراف على التحكيم وتحديد الإجراءات واجبة التطبيق ، والواجب إتباعها لحل النزاع ، والقانون الذي يحكم ذلك النزاع ، مما يُشعر الأطراف بأنهم يشاركون في عملية التحكيم .

وقد أدى ذلك كله إلى تزايد إقبال الأفراد والمؤسسات والشركات على اللجوء إلى التحكيم كأسلوب لحل منازعاتهم ، خاصة في مجال المعاملات ذات الطابع الدولي ، حيث يكون القاضي أجنبي عن كل أو بعض الأطراف ، وكذلك شأن القانون الذي يحكم النزاع سواء كان يحكم موضوعه أو إجراءاته .

ورغم أن التحكيم ينشأ عن إرادة الخصوم ، وأن هذه الإرادة هي التي تخلق التحكيم وهي قوام وجوده ، إلا أنها تعتبر غير كافية ، إنما يتعين على المشرع أيضاً أن يُقر إتفاق الخصوم . وبعبارة أخرى ، إذا لم ينص المشرِّع على جواز التحكيم وجواز تنفيذ أحكام المحكمين ، ما كانت إرادة الخصوم وحدها كافية لخلقه أو إيجاده.

ومما تجدر الإشارة إليه أنه يجوز الإتفاق على التحكيم في العقود النهائية ، ويجوز كذلك في الوعد بالعقد باعتباره عقداً ، بل إن بعض الفقه يرى أنه يجوز الإتفاق على التحكيم في مجال أوسع من ذلك ، فليس بالضرورة أن تكون العلاقة المالية ناجمة عن عقد ، بل ربما تكون ناشئة عن أي مصدر آخر من مصادر الإلتزام المختلفة المعروفة ، كأن تكون ناشئة عن فعل ضار (عمل غير مشروع) أو فعل نافع (إثراء بغير سبب) أو إرادة منفردة (التصرف الإنفرادي) ، أو القانون ، لكن في كل هذه الأحوال يجب الإتفاق على إحالة النزاع للتحكيم ، على أن يتم ذلك بعد نشوء سبب الإلتزام ، ولا يتصور غير ذلك عملاً

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق